تُعد الصادرات - سواء المرتبطة بالنفط أو غير النفطية - مؤشرًا اقتصاديًا أساسيًا، حيث تلعب دورًا محوريًا في تقييم قوة الاقتصاد وقدرته على الاستدامة، كما تمثل أداة حيوية في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتمتد آثار الصادرات الصافية لتشمل مختلف الأبعاد الاقتصادية، حيث تؤثر في ديناميكيات سوق العمل، ومعدلات التضخم، والنمو الاقتصادي. وفي المملكة العربية السعودية، يُعد ارتفاع الصادرات غير النفطية إنجازًا بارزًا في مسار تنويع الاقتصاد. ويتجلى هذا التنويع بشكل واضح في قطاعات متعددة، من ضمنها الصناعات البتروكيميائية، والبلاستيكية، والمعادن الأساسية، والآلات الكهربائية. ويسهم النمو المتسق لهذه القطاعات بشكل كبير في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
رؤية 2030 والتحول الاقتصادي
تمثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تحولًا استراتيجيًا من الاعتماد التقليدي على النفط إلى بناء قاعدة اقتصادية أكثر استدامة. ويُظهر تحليلنا الوصفي أدناه زيادة ملحوظة بنسبة 78.3% في الصادرات غير النفطية، والتي بلغت 137 مليار ريال سعودي. وتتزامن هذه الزيادة مع نمو بنسبة 12.3% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وقفزة هائلة بنسبة 743.7% في الحساب الجاري. ويبرز هذا النمو المترابط التفاعل الديناميكي بين التوسع الاقتصادي المحلي والنمو اللافت في كل من الصادرات والحساب الجاري.
التحليل القياسي للمؤشرات الاقتصادية
من خلال استخدام نموذج تصويب لأخطاء الموجهات (Vector Error Correction Model)، يقوم تحليلنا بدراسة العلاقة بين الصادرات غير النفطية والحساب الجاري على المديين القصير والطويل، مع مراعاة تأثير الصادرات النفطية والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة خلال الفترة من الربع الأول من عام 2016 وحتى الربع الثاني من عام 2023.
وقد كشفت نتائجنا - في ظل ثبات العوامل الأخرى - ما يلي:
إن زيادة بنسبة 1% في الصادرات غير النفطية تؤدي إلى ارتفاع في الحساب الجاري بنسبة 5% على المدى القصير.
كما أن زيادة بنسبة 1% في الصادرات النفطية تؤدي إلى انخفاض في الحساب الجاري بنسبة 3.5% على المدى القصير، لكنها تؤدي إلى ارتفاعه بنسبة 2% على المدى الطويل، ويُعزى ذلك إلى الأثر المباشر للصادرات النفطية على الدخل القومي والنفقات الاستهلاكية.
وعلى المدى الطويل، يؤدي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1% إلى تأثير سلبي على الحساب الجاري بنسبة 6%، ويُعزى ذلك إلى الزيادة المصاحبة في الدخل، مما يرفع من مستوى النفقات الاستهلاكية.
تحليل دالة الاستجابة الفورية
تعكس دالة الاستجابة الفورية أثر الصدمة على المتغير نفسه أو على متغير آخر، حيث تتيح لنا هذه الاختبارات استكشاف ردود أفعال كل متغير تجاه التغيرات غير المتوقعة في المتغيرات الأخرى، مما يؤدي دورًا جوهريًا في عمليات التنبؤ. ويبيّن التمثيل البياني لهذه الدالة النسبة المئوية لاستجابة المؤشر تجاه الصدمات، الأمر الذي يوضح التداخل المعقد بين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، الصادرات غير النفطية، الصادرات النفطية، والحساب الجاري.
نتائج اختبار السببية لغرانجر
يُقيّم هذا الإختبار ما إذا كان بإمكان سلسلة زمنية معينة التنبؤ بأخرى سواء على المدى القصير أو الطويل. وقد أشارت نتائج التحليل إلى أن النمو الاقتصادي على المدى القصير في المملكة يُسبب زيادة في الصادرات غير النفطية، مما يسهم في تحسين الحساب الجاري على المديين القصير والطويل.
وفي الوقت ذاته، يتماشى النمو المستمر في الصادرات النفطية مع الجهود المبذولة لتعزيز الصادرات غير النفطية، مما يعكس التزام المملكة بتحقيق مستهدفات رؤية 2030، والتي تهدف إلى أن تُشكل الصادرات غير النفطية 50% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، كما هو موضح في الشكل البياني أدناه.
توصيات لتحقيق النمو المستدام
تقدم هذه الدراسة عددًا من التوصيات الاستراتيجية التي تركز على دعم الصادرات، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية وضمان استدامة النجاح في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
- التركيز على تنويع الاقتصاد
تعزيز الاستثمار الاستراتيجي في القطاعات الحيوية، مع التركيز على تطوير القطاعين الزراعي والصناعي لاغتنام فرص النمو وتوفير فرص العمل.
- تحفيز الاستثمار ودعم قطاعات التصدير
إعطاء الأولوية لتشجيع الاستثمارات وتعزيز ديناميكيات السوق من خلال سياسات نقدية مدروسة، وتوجيه سياسات الصرف الأجنبي بما يعزز التنافسية.
- تطوير البنية التحتية لزيادة التنافسية
التركيز على تطوير البنية التحتية لقطاع الكهرباء لتقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية، بما يدعم التنافسية في الصادرات غير النفطية.